مقالات ساخرة


محمد طمليه

 
السوق



* عندنا "سوق جمعة", وها قد صار عندنا "سوق ثلاثاء", وليت "سوق الثلاثاء" يتكرر كل اسبوع ليحصل الفقراء على 150 مليون دينار انفقها السادة المرشحون اثناء الحملة.

* عموماً, لي تجربة خاصة وطريفة في كلا السوقين: اخذت مؤخراً "كيماوي", وتساقط شعري تماماً/ انا اصلع الآن, وقد ذهبت نهاية الاسبوع الماضي الى "سوق الجمعة" لشراء "طواقي" استر بها صلعتي التي قال طبيبي انها ستلازمني ثلاثة او اربعة شهور على الاقل. واشتريت عددا منها بالفعل.

* وذهبت يوم امس الاول الى "سوق الثلاثاء" لاكتشف ان معظم المرشحين وزعوا على الناس "طواقي" تحمل اسماءهم/ ربما من باب الاحتراز لصلع قادم/ ومن دون "كيماوي" هذه المرة, او ان "الكيماوي" موجود لكن على شكل نقد يوضع في اليد التي تحلف اليمين: بيع وشراء, وانا لا اتحدث عن حالة او حالتين, وانما عن حالات.. وللتواضع اقول: "مئات".

* الخلاصة ان الحركة في السوقين/ الجمعة والثلاثاء/ عبارة عن عملية "تلبيس طواقي", وهذا نهج مألوف في العمل السياسي عندنا.

__________________

 

قوس قزح



* اذا صدقت التنبؤات, وامطرت اليوم, فحذار من الاعتقاد ان لهذا المطر علاقة بأي عرس, او عريس, او »زفّة«.

***

* كأني سمعت وقع قطرات من الماء تتساقط من مزراب في الروح, ورأيت في اغماضة عاجلة اواني مطبخ توضع تحت سقف الصفيح من اجل ان يتجمع فيها ماء الدلف ليبقى الصغار النائمون بمنأى عن البلل - رأيت »...« / ابنة الجيران/ التي كان يفصلني عنها سيل يتفاقم كلما زاد الهطول, ونعجز عن العبور - رأيت »قوس قزح« منشورا بملاقط على »حبل غسيل« في الزقاق - رأيت غيمة يجزم الراصد الجوي انها تعاطت منشطات - رأيتني بمعية حبيبتي قرب مدفأة تتوهج, وها اننا نشوي نبضا وكستناء - رأيتني اراقب امي وقد جلست تفتل رذاذا لوجبة دعونا اليها الشقيقات المتزوجات - رأيتني اضع في »فريزر الثلاجة« مكعبات من الوهج من قبيل المؤونة لليالي الباردة - رأيتني اقف في مهب الريح كشاخصة لا يتقيد بها الهواء - رأيتني اذرف المزيد من الندى ودموع الفرح - رأيتني اتضور دفئا تحت غطاء لا يكفي الجميع, و»وسادة خالية«.

* عموما لن يغسلنا اي مطر.

__________________

 

لغم تحت وسادتي


* امر هذه الايام بظرف صحي ونفسي سيء, مع احساس هائل بالوحدة..

* الله لو يقرع بابي احد/لو يجيء شرطي ليأخذني الى زنزانة انام فيها الى الابد/لو يداهم منزلي لص لا يرحم/لو تنفجر اسطوانة الغاز في مطبخي /لو اخطر في بال »عزرائيل«/لو ارجع الى رحم امي وامكث هناك تسعة اشهر اخرى - ثلاثين شهرا - اربعين سنة - العمر كله.

* هذا, مع شعور هائل بانني قبيح للغاية, ولكن لماذا غدوت قبيحا الى هذا الحد؟ اتذكر انني كنت وسيما فيما مضى, بدليل انني اغويت الكثير من البنات. »مريم« مثلا - »مريم«؟ لا اذكر انني عرفت امرأة بهذه الاسم, ربما كان اسمها (....) لا اهمية لاسم المرأة عندما تكون وهما. عموما, كان يطيب لها ان تداعب وجهي باصابعها /هكذا/فادوخ, وتنتشر الرخاوة في جسدي: كانت سمراء, بل بيضاء - . لا اذكر.

* احساس هائل بالوحدة, وعجز عن الكتابة, وعدم اكتراث ورثاثة طاغية, ولغم من مخلفات حرب لم تحدث ابدا مزروع تحت وسادتي

__________________

 

الموقف


* ما زلنا نتحدث عن الانتخابات..

* صحونا في الصباح الباكر, واكلنا على عجل: زوجتي اعدت "طبق بيض مقلي", و "محاشي" من طبيخ البارحة/ "كاسة شاي" في السياق: خرجنا بعد ذلك للتجمهر في المكان المحدد: هيا, الحركة باتجاه مكاتب البريد. انضم الينا كثيرون في الطريق: ممثلو احزاب/ نواب سابقون منهم من هو ملتح/ شخصيات عامة/ طلبة جامعات ومعاهد/ وجهاء "خردة" وكان ثمة شاحنات ترافقنا: هذه الشاحنات تحمل الكثير من مغلفات الرسائل التي تبرعت بها مصانع ورق وكرتون وطنية..

* نذهب الى مكتب بريد..

* احدنا ادلى بتصريح قال فيه ان التزاحم امام "الكاونتر" غير مستحب: لوحظ ان سيارات شرطة تسير معنا جنباً الى جنب: نحن لم نهتف, ولم نرفع يافطات, ولم نعق حركة المرور رغم ان عددنا كبير - لم تشهد البلاد مثله من قبل.

* تقدمنا, وصار ثمة تدافع عند مدخل مكتب البريد: نريد "طوابع واردات" حالا. موظفة "الكاونتر" قالت: "يوجد طوابع للجميع".

* اخذنا الطوابع, والصقناها على المغلفات, ووضعناها في "صندوق البريد", واسترحنا: نحن نعرف ان مغلفاتنا لا تحتوي على اي رسائل - مجرد مغلفات فارغة ارسلناها الى مكان تأييداً او احتجاجاً على.. لا شيء.

__________________

 

الطريق


* أراجع سفارة ما/ لا يهمني اسم البلد, ولا موقع هذا البلد على الخريطة: يهمني فقط الحصول على تأشيرة تتيح لي ان اغادر: قد انجح في الحصول على التأشيرة, او يرفضني الموظف المختص, فأذهب الى سفارة اخرى/ لا على التعيين/ فأواجه احتمال القبول, او الرفض, وهذا يجعلني اتوجه/ من باب الاحتياط/ الى محطة لحجز مقعد في باص او باخرة او قطار..

* ثم خطرت لي فكرة تتعلق بالأحذية, فاشتريت الكثير منها استعدادا للمشي اذا حان وقت الفرار. وبالمناسبة, حزمت متاعي في حقيبة صغيرة اضع رأسي عليها في الليل على امل ان يواتيني النوم, ولكني لا أنام, وأبقى اراقب النجوم التي تومض في السماء, فيتردد في دماغي صدى لطائرات تقلع, وبواخر تمخر, وخيول تركض في قواحل لا حدود لها. ثم يجيء الصباح, فأواصل البحث عن دمغة في جواز السفر, أو تذكرة اصعد بها الى ظهر باخرة تحملني بعيداً, وأرجو ان لا ترسو أبداً. أو أمشي. يقول أحدهم: "لا يوجد طرقات, ولكن المشي يصنع الطرقات".

* ها أنذا أمشي وأمشي, فأجدني ما زلت أراوح مكاني

 

المرضى


* الحملة التي تقوم بها دائرة السير حاليا للتأكد من جاهزية المركبات لفصل الشتاء/ هذه الحملة ما تزال مستمرة, وقد شملتني البارحة, فقد اوقفتني دورية, واخضعت سيارتي لعملية تمحيص استمرت ربع ساعة تقريبا, حتى ان احدهم فتح "غطاء الماتور" والقى نظرة على شيء ما ثم اغلق الغطاء, واثنى على متانة العجلات, ونجاعة "المسّحات" وسلامة الاضوية و"الغمازات"..

* وهكذا, اكملت طريقي باتجاه المستشفى الذي اخضع فيه انا شخصيا لعلاج, وهي مفارقة جعلتني ابتسم: سيارة جيدة, ورجل تالف, ولم اتوقف عند هذا الحد من السخرية, بل وجدتني اتخيل ان دورية الشرطة التي فحصت سيارتي تضم في عضويتها طبيبا ايضا, وطاقم تمريض, لتكون النتيجة انني مقبل على شتاء قاس, ليس على المستوى الصحي فقط, وانما على صعيد الدفء ايضا, وفي ضوء ما يتردد عن النوايا غير الطيبة والمتعلقة باسعار المحروقات.

* اطمئنوا, سياراتنا جاهزة لاستقبال الشتاء, ولكن المشكلة اننا غير جاهزين بالمرّة

 

الغبار


* الناخبون في "الدائرة الثالثة"/ العاصمة/ مختلفون: مؤدبون للغاية, ويوجد على رأس كل منهم ريشة, ويتناولون الطعام بصورة يومية, وهذا نهج نادر الحدوث في كثير من الدوائر: دعانا احد مرشحي الصحراء الى مهرجان انتخابي ينطوي على "منسف". توجهنا الى تلك المنطقة التي تبعد عن العاصمة زهاء 90 كيلومتراً جنوباً: الدنيا حر. ولكن مندوبين عن المرشح قالوا ان المجريات تقتضي ان نتوغل قليلاً في عمق الصحراء, وان سياراتنا الصغيرة لا تصلح بحكم وعورة الطريق, واشاروا الى سيارات "بك اب دبل كبين" عالية سوف تحملنا الى الموقع: اخذونا في هذه السيارات - صحراء على مد النظر, والسرعة فائقة, والهواء قوي, وغبار.. وكأنها مناورات.

* هذا لا يحدث في "الدائرة الثالثة": "طبق الانتخاب" هنا "فريكة" وتؤكل بالملعقة, مع لبن رايب, و"فرمة خيار". واحتمال الحلوى وارد.

* قلنا انهم مختلفون: ينتخبون عن قناعة ولا يبيعون اصواتهم - تذهب "سلمى"/ من "الدائرة الثالثة" الى صندوق الاقتراع بـ "الجينز", وتنتخب بكل بساطة.

* مختلفون, وعلى رأس كل منهم ريشة, ثم يتناثر الريش جراء النسمات, وهي حركة تتضمن خيلاء واناقة, فيما يتطاير الشرر من اعين الناخبين في دوائر اخرى.

__________________

  

ربطة عنق"


* يوجد في "بيادر وادي السير" منطقة متخصصة بالسيارات من حيث التصليح وشراء "قطع الغيار" وقد ذهبت مبارحة الى هناك لأمر يتعلق بسيارتي: كان في معيتي "ميكانيكي" جرت العادة أن الجأ اليه لمقتضيات الصيانة. وهذا يحدث كثيرا. ولا أذكر أنه توانى يوماً عن مساعدتي. وبالفعل, ترك "الورشة" في "الجبيهة". وجئنا معاً الى "البيادر".

* يروي الشاعر التشيلي "بابلو نيرودا" في مذكراته المثيرة أنه زار صديقاً له في قرية يزرع أهلها القمح. وجرت العادة أن يضعوا المحصول على هيئة أكوام كبيرة في منطقة اسمها "بيادر", حيث تُجرى هنا عملية "تخليص الحبوب من الشوائب". ويشارك في هذه العملية سكان القرية جميعاَ, بمن في ذلك النساء. وهكذا, فقد أمضى "بابلو" ليلة كاملة وسط "البيادر".

* بمعنى أن كلمة "بيادر", مرتبطة بالأرض والقمح والليالي الحلوة. ولكنها عندنا عكس ذلك تماما. فقد ذهبنا الى "البيادر" من أجل "قطعة غيار".

* كان رفيقي يرتدي زياً ملوثاً بـ "شحمة السيارات". وقابلنا هناك اشخاصاً مثله, وبما يوحي بالانهماك. والتعب. و"لقمة العيش". والغلام الذي أخرجته الأسرة من المدرسة ليصبح "صبي ميكانيكي". والطعام الذي يؤكل على عجل, ودون غسل الايدي. والنوم بعد يوم عمل طويل بلا أرق وكوابيس. ثم الاستيقاظ في اليوم الذي يلي بنشاط. والخروج الى "يوم جديد" بلا "طلاء اظافر".

* لطالما قلت انه لا يوجد عندنا تعب حقيقي: يوجد شقاء وتعاسة فقط. و"بورصة". و"سكرتاريا" حتى أن "حبال الغسيل" على معظم الأسطح تحمل "غيارات". و"شراشف". و"وجوه مخدات". وكل قماش يصلح للارتماء: وأقسم أن هناك "حبل غسيل" يحمل "ربطة عنق" فقط.

__________________

 
الصندوق



* عن اليافطات ايضا..

* بالمناسبة, هناك يافطة تحمل شعارا اعجبني: "لنعمل معا من اجل ان يهطل المطر في اسرع ما يمكن"..

* جاء في الكتب ان الفلاسفة اليونان/ "ارسطو", "افلاطون", "أبيقور" وغيرهم/كانوا يجلسون في أفياء شجيرات الموز لاكتساب المزيد من الحكمة: قد يبدو السلوك غريبا, ولكن الغرابة تنتفي اذا علمنا ان الموز/كما يؤكد خبراء التغذية/غني بمادة "الفسفور" اللازمة لتنشيط الدماغ, فكان الفلاسفة يجلسون هناك, ويتأملون..

* وأنا أجلس في ظل يافطة انتخابية, وما اكثر "الفسفور" في الشوارع.

******

* انتخبوا الدكتور/المهندس/المحامي: ولا يوجد بين كل المرشحين "ميكانيكي" واحد. او يافطة تقول: "اختصاصنا تكييف وتبريد": لا يوجد نائب يذهب الى المجلس مشياً على القدمين, او في "باص المؤسسة": لا يوجد شعب, وانما ناخبون يذهبون الى "الصناديق" باعتبارها مطاحن للماء. و "قطعة العلكة" واحدة في كل الافواه.

* نخرج من "صندوق" لندخل في "صندوق" أكبر..

__________________


التائه



* عندي اعتقاد انه يمكن ان يُطاح بي/ أن أتنحّى/ أن يتم استبعادي/ان يكون اسمي مكتوباَ على قصاصة ورق في "سلة مهملات", وبخطأ مطبعي يزعجني, هكذا: "طمّليه". وخط احمر تحت الاسم. وألمح امضاء أجزم انه حاسم, ولا مجال للتراجع.

* أخشى أن أخضع لمساءلة. ولتهديد صريح بالطرد, ومداهمة, ومطاردة, وطرحي ارضاَ. ثم ارغامي على القيام بحركات مخجلة تنقلها "الفضائيات" على الهواء مباشرة.

* لطالما قلت انني لم افعل شيئاَ يستوجب أن أُرمى من نافذة عالية. او ان يظهر اسم مماثل لاسمي في الجريدة تحت عنوان: "خرج ولم يعد", مع انني عدت. وها أنذا. وللتوضيح, فان ما تردد على الألسن من غمز في حقي كذب. واعتقد ان الهدف هو دفعي الى الجنون. وجعلي أضحوكة.

* أشعر أن ما يجري حولي مريب. وهناك مخطط يستهدفني شخصياَ. والطريف ان فقرات عديدة في المخطط تنطوي على تحريض ضدي. وكم هي قاسية تلك الفقرة التي تنصّ صراحة على ضرورة استثنائي. وفيما يلي نص الفقرة "ج", في الصفحة 286 المجلد الثاني: "لا علاقة له. ويبقى بعيداَ. واجراء اللازم".

* "اللازم"؟! وها أنذا أتعرض لـ "اللازم".

__________________

 
السؤال


* شعارات ضحلة, حتى انني قرأت على واحدة من اليافطات شعارا يقول: "قلب الام زهرة لا تذبل". وقرأت ايضا: "رب ضارة نافعة".. وهكذا.

* اقترح اجراء امتحان "لياقة سياسية" للمرشحين, على غرار ما جرى عندما مات احد السادة النواب في دورة سابقة, فقرر السادة النواب اختيار بديل للفقيد من بين المرشحين بعد اخضاع هؤلاء لامتحان "لياقة سياسية" ينطوي على "اسئلة مباغته".!

* ما نوع الاسئلة في هذه الحالة؟ وكيف نضمن عدم تسريبها؟ وهل خاض السادة النواب مثل هذا الامتحان قبل ان يصبحوا نوابا؟ نعرف ان كثيرين منهم لا يتمتعون ب¯ "لياقة سياسية" ولا حتى "لياقة بدنية".

* "قاعة جمباز" في الساحة الامامية لمجلس الامة, ومضمار للجري, ورمل للوثب. ومنافسات مختلفة, ومنشطات, وركلات ترجيحية.

* شيء اخضر من الخارج واحمر من الداخل, واول حرف من اسمه "ن". فما هو؟ احد المرشحين قال "نصف بطيخة" وهي اجابة صحيحة تماما: لقد تسربت الاسئلة بالفعل.

* هل يمكن اعتبار صوت الماء في "السيفون" خريراً؟ وهل يبتهج الميت اذا مرت قرب المقبرة "زفة عريس"؟ وهل تنضج الشمس اذا وضعناها في ماء يغلي؟ وماذا يحمل المستقبل عندما تصل السذاجة الى هذا الحد؟

__________________

 

 البغل

* اريد حصاناً, وربما أكتفي ببغل, فأنا لا أنوي المشاركة في سباق على أيّ حال.

* جاء في قصة للكاتب الروسي "تشيخوف" أن السكارى من رواد خمارة بعينها اعتادوا أن يعودوا الى بيوتهم آخر الليل بوساطة عربة يجّرها حصان مريض ويقودها عجوز بائس, ثم يدفعون له الأجرة, ويمضي هو الى غرفته في قاع المدينة ليعتني بأبنه الذي أصيب قبل شهر بمرض غريب, وهو طريح الفراش الآن ...

* ولنا أن نتخيل هذه الحياة عندما يكون المرض هو الأساس, وكذلك الفقر والتعب, ثم يطغى الصمت على التفاصيل فنسمع فقط صياح السكارى وهم يأمرون العجوز بالتوجه هنا وهناك في مدينة موحشة لا تحفل بمن يموت فيها جوعاً ...

* ولكن الايقاع ينكسر عندما يموت الابن المريض, فيصبح العجوز وحيداً أكثر من أي وقت مضى/ حزيناً ومقهوراً ويود لو يجد أذناً صاغية ليهمس لها أنه مخنوق, غير أن هذه الرغبة لا تتحقق له أبداٍ: من الصعب أن يجد الفقراء من يستمع اليهم, حتى أن العجوز يفشل في اقناع السكارى بأن له ابناً مات, وأنه حزين: لا يقتنع هّؤلاء ليس لأنهم سكارى, ولكن لأن العجوز فقير ...

* وها هو في طريق العودة الى غرفته: يشكو للحصان: أجزم أن الحيوانات تكون أحياناً أكثر رأفة, وتصغي.

* * *

* أريد حصاناً, وربما أكتفي ببغل.

 
ثوب زفاف


أصل الخلاف بيني وبين الفتاة التي أحبها أننا لم نجد طوال الصيف الماضي "صالة أفراح" لاقامة عرسنا المنتظر. وقد ظلت أم الفتاة مصممة على ان يُجرى العرس في صالة محترمة, او فندق, مما اغضب عائلتي, مع ما يرافق ذلك من تصعيد كان يمكن ان يودي بالعلاقة, او انه اودى بها بالفعل, ذلك ان اهل البنت منعوها من الخروج معي, وصرت ضيفا ثقيل الظل, ومطروداً سلفاً, اذا زرتهم.

* ما العمل في هذه الحالة? انا احبها, واحسب انها كذلك, ولكن هذا الحب بات متعذراً ومستحيلاً, اخذين بعين الاعتبار ان فتاتي انحازت الى صف امها فيما يتعلق بالعرس: قالت لي في مكالمة مقتضبة ان الصالة ضرورية لاي عرس, وبكت, واقفلت الخط.

* ثم ارسلتُّ لها صديقة مشتركة لاقناعها بتقديم تنازلات. ولكن الصديقة المشتركة عادت من هناك مكسورة الخاطر, وكانت تبكي, فبكيت أنا ايضاً, وعانقت الصديقة, وعانقتني, وبكينا معاً.

* وهكذا... لم أر فتاتي منذ ذلك التاريخ, وظننت أن هذه الصفحة طويت, غير أنني تلقيت البارحة مكالمة منها قالت فيها: "أفعل شيئاً" فأقترحت عليها أن تهرب من بيت أهلها, وتوافيني في الحال: سأصنع لك ثوب زفاف ابيض من قماش اليافطات, ونتجول في شوارع المدينة, مستفيدين من اجواء "العرس الديمقراطي".

 

 
* طبيعي ان يبقى ممر المستشفى مزدحما طوال النهار: اطباء, وممرضون, وممرضات, ومرضى, وزوار: الايقاع هنا سريع. لا بأس, فالامر يتعلق بالحياة. ويستحق.

* ولكن الوضع في الليل مختلف: اذكر انني قلقت ذات ليلة. فخرجت من غرفتي. وجعلت اخطو على بلاط الممر الخالي تماماً/ وحدي. وصمت: اين ذهبوا? خفت. وعدت سريعاً الى سريري. وبقيت الى ان جاء ممرض دمث لأخذ عينة من دمي.

* دّبت الحياة مجدداً في الممر: عادوا ثانية. الاحظ انهم زادوا عدداً: مرضى جدد - ما الذي يحدث خارج اسوار المستشفى بحيث يمرض الناس بالجملة? وهل بقي احد معافى?

* وسرعان ما هبط ليل مماثل. وصمت مماثل. وخوف مماثل. ثم جاء صباح مماثل. ومرضى جدد .. لنكرر طرح السؤال: ما الذي يحدث خارج اسوار المستشفى?.


الخشب



* لستُ مهتماً بالانتخابات, وسوف لا أشارك في أي "عرس" من هذا القبيل, وأنا لم أتزوج لغاية الآن لأنني لا أحب الأعراس, بما في ذلك "الأعراس الديمقراطية".

* وهكذا, فأنا بصدد أن أستنكف: سوف لا أكون مرشحاً, ولا ناخباً, ولكني سأقيم أكثر من خيمة, وأكثر من مقر انتخابي, وستكون لي "يافطات" في كل مكان, مع مراعاة أن هذه اليافطات بيضاء تماماً, ولا تحمل أي شعار, مثل قميص أبيض منشور على حبل غسيل, وسيكون لي بيان هو عبارة عن ورقة لا تحتوي على كلام: هكذا, ورقة بيضاء مثل ورقة امتحان لتلميذ لم يذهب أصلاً لتقديم الامتحان. وسأذبح خرافاً لا يكون الهدف منها اطعام الناس, وانما لتوزيع "الجواعد" لكي يضطجع الناس.

* وسأخسر بالطبع لأنني لست مرشحاً أصلاً, ولكني قمتُ بما قمت به لمجرد أن أحصل بعد عملية الفرز على حصتي من "صناديق الاقتراع", فهي خشب في المقام الأول, وقد نكون في حاجة لهذا الخشب من أجل الدفء في شتاء بارد وقاس آخر

 

 

الافعى


* هذا أسوأ احتلال يخضع له بلد..

* وربما ان الثقافة هي التي تضررت اكثر في "العراق", فمن قتل العلماء, او دفعهم الى الهجرة, الى سرقة كنوز المتاحف, الى تشريد الكتاب والشعراء الى عواصم شتى جعلتهم ظروف الاقامة فيها يبيعون مكتباتهم الشخصية التي حملوها معهم الى الشتات بأبخس الاثمان في مدن لا تقرأ. ومن ثم العمل في صحف ومجلات لم يحصلوا منها على اي مكافأة او مردود . اضافة الى اللوحات الفنية, والمنحوتات, والمقتنيات التي بيعت بمثابة "خردة".. و"الخافي اعظم".

* وها أنذا اتحدث عن نفسي: اقمت في "بغداد" قبل سنوات وسنوات/ كنت طالباً في واحدة من جامعاتها, وكنت أتردد على مكتباتها الزاخرة بكتب رائعة, وبأسعار في متناول تلميذ مثلي, فاشتريت مرة رواية ما زلت احتفظ بها هي "الحب في زمن الكوليرا" لكاتبها الروائي الكولمبي الفذ "ماركيز". ويا لها من مصادفة, فقد عدتُ البارحة الى هذه الرواية ليتأكد لي ان "العراق العظيم" يتعرض ويخضع لأسوأ احتلال وهي مفاجأة: لقد تحوّل اسم الرواية العتيقة تحت نير الاحتلال الى "الكوليرا في زمن الحرب"...

* "الكوليرا" تجتاح "بلاد الرافدين", وأنا متأكد ان للجرثومة "شهادة منشأ" حسب الاصول, وهناك "ورشات محلية" تستقبل الوباء لتوزيعه في بلد ظل نظيفا منذ ان نزل "جلجامش" الى الماء القراح ليستحم, وهذه حكاية, فقد حصل "جلجامش" من السماء على عشبة تُعيد له شبابه كلما شاخ, ولكنه فقد هذه العشبة عندما نزل الى الماء ليستحم: كان وضعها على ضفة الماء, فأكلتها أفعى..

* هذه جرثومة لها "شهادة منشأ". وللأفعى "شهادة منشأ" أيضاً
 

 

الملعب


* القمر بدر, وقد جلستُ البارحة في الشرفة أتأمل في هذا القرص, وبقيتُ هكذا الى ان سمعتُ قرعاً على طبل: انه "المسحر" الذي يوقظ الناس ليأكلوا ويشربوا, ولكنهم لا يستجيبون, فتساءلت: هل يستيقظ هؤلاء لو ان هذا الرجل جاء في وضح النهار؟

* أنا "المسحّر" الذي يجوب الحواري ليلاً نهاراً وبلا طبل احتراماً للسبات المتفق عليه, ثم إنني اثق بالبهوت عندما تمر الأيام سُدى, وبلا رونق أو سموّ: مجرد أيام, وضحالة عامة, ومباراة تجري بلا جمهور, وبلا لاعبين أصلاً, ولكن الصحف التي صدرت في اليوم الذي يلي أصرت على ان المباراة جرت بالفعل, وانتهت بفوز الفريقين معاً, مع أن هناك شعوراً بالخسارة عند... عندي على الأقل.

***

* ويمكن كتابة الفكرة كما يلي:

* القمر بدر, وقد جلست في الشرفة أتأمل في هذا القرص, وبقيتُ هكذا الى أن سمعتُ قرعاً على طبل, فتساءلت: هل يعتقد "المسحر" أننا نائمون: نحن لا ننام, نتقلب فقط, فهناك ما يؤرقن

 

 

اليلة



* أدعوكِ الى "طعام السحور" لنأكل معاً "حوسة لحم عجل مفروم مع بصل وفلفل أسود", وأسقيكِ "مخيضاً". هل يعجبك ذلك؟ لا عليك, انما دعوتك لأشهد بمعيتك طلوع الفجر الأول من "رمضان": ما أحوجنا لفجر بعد أن طال الحلوك.

* تعالي نجلس في الشرفة, فقريباً يجيء ضوء. هل تحبين النهار؟ عفواً, أنا لا أكره الليل, ولكني لا أطيق العتمة في هذا الليل, مع قناعتي أنه يوجد عتمة في النهارات أيضاً. لا عليك, فنحن هنا على أمل أن يحدث بصيص.

* بماذا نتسلى ريثما تطلع الشمس؟ نراقب النجمات: لا حظي أن كل هذه النجوم تعجز عن توفير انارة, بل ان وميضها يبعث الأسى في أفئدة الساهرين, ويظل هؤلاء تواقين لشمس ساطعة. وظني أن الشمس باتت على وشك البزوغ. ونحن ننتظر.

* كم مضى على وجودنا في الشرفة؟ ولماذا لم يطرأ بصيص لغاية الآن؟ هناك خلل.


__________________


رحلة


* أنا راحل بعيداً عن "هنا". أحثُّ الخطى وصولاً الى "هناك". معي حفنة من الشاي, ومثلها من السكر. لا, ما معي شيء. ولستُ في حاجة لشيء: أريد فقط ان أبقى "هناك" حيث يمكنني أن اتنهّد وأقول: "نجوتُ"ممّ ؟ لا اعرف, ولكني نجوت, وهذا يعني انني لم اعد شريكا في ... لن أقول .فكلهم حمقى, وانني لأعجب كيف احتملتهم منذ ذلك التاريخ.. أتذكر أنهم... لا أتذكر شيئاً, لا بأس, ولا يهم, لقد نجوت, وهذا مكسب, ولن أعود ثانية, وسوف أحذو حذو الشاعر "بيسنوف" في رواية "درب الآلام" لكاتبها "ألكسي تولستوي" كان هذا الشاعر يبتعد في عربة بحصان خارج المدينة. كان ثملاً للغاية, واذ نظر الى الخلف, ورأى اضواء المدينة التي يغادرها, ظّن أنه واهم, وأنه لا وجود لمدينة يغادرها, أنا لست واهماً, ويمكن لأحدكم, ان يتأكد من ذلك اذا وخزني بدبوس: كل المجريات التي وقعت مؤخراً حقيقية, وتبعث على الاشمئزاز. "أمشي" يقول شاعر طلياني : "ما من طرقات, المشي يصنع الطرقات"...

* بعيداً عن "هنا", وخلاصي ان امكث "هناك" الى الأبد وحدي تماماً.

__________________

كسر في اليد اليمنى



* يتضح لي من جديد أنني وحيد أكثر مما ينبغي...

* هذا أول »رمضان« يجيء بعد حالة الوفاة المفاجئة التي أودت بأمي, وقد زرتُ البارحة البيت الكبير/بيت أمي الذي غادرته قبل أكثر من ثلاثين سنة, والذي يقيم فيه الآن أشقاء وشقيقات متزوجون, ولهم أولاد وبنات: أصابني فتور, فأنا لم أعتد على زيارة هذا الموقع دون أن تكون أمي موجودة فيه. ولم أكن مخطئاً في احساسي, اذ سرعان ما تبين لي أنه لم يعد هناك عائلة, وانما فلول عواطف ما تزال قائمة بحكم أنه لم يمض وقت كاف على موت المرأة الحديدية ليصبح سكان »عمارة يعقوبيان« جيراناً فقط.

* صعدتُ الى السطح/العمارة تتألف من ثلاثة طوابق/فأمكنني أن أرى من موقعي المدرسة التي درست فيها الابتدائي: لهذه المدرسة سور عالٍ, وها إن ولداً يمشي عليه. هل يسقط? الأغلب أن يسقط, ويحصل بموجب هذا على كسر في اليد اليمنى/اليمنى تحديداً, مثلي.

* ما يزال الولد يمشي على السور, ما الذي يفعله هذا الشقي? يحاول الهرب من حصة الحساب فيما يبدو: مهلاً أيها المشاغب, فأنت ستكبر في لمح البصر, وسيكون لك صديقة في الجامعة, ورسوم تعجز عن دفعها, وحزب تنتمي اليه, ومواقف رافضة, ودهشة ازاء الانهيارات المتتالية, وغصّة دائمة في الروح.

* وأنا متأكد أنك ستزور ذات تعب »بيت العائلة« بحثا عن ألفة باتت مستعصية, وتقف هنا على السطح, في المكان الذي أقف أنا فيه الآن, لتراقب طفلاً يشبهني ويشبهك يمشي على سور المدرسة.

__________________

النهر



* الاشخاص الوحيدون مرهفون في المجمل..

* جاء في قصة للكاتب الروسي "دوستويفسكي" ان رجلا وحيدا/بلا عائلة او اصدقاء/اعتاد ان يذهب وقت الغروب الى ضفة نهر صغير دأب المخذولون والمحبطون على ارتياده. وكان هذا الرجل ينطلق الى الموقع مشيا على الاقدام, وعبر شارع واحد صار مألوفا بالنسبة له, حتى انه اطلق اسماء معينة على المباني التي تقع في ذلك الشارع: هذا مبنى من طابقين وقرميد احمر/اسمه "سوزان". وهذا مستشفى ولادة/اسمه "بدرية". وهذا مركز امني/اسمه "خليل". وهذا قصر/اسمه "عبدالمعطي", مع ملاحظة ان المالك لم يكتب عبارة "هذا من فضل ربي" على الواجهة.

* وكان الرجل الوحيد يتأذى اذا لاحظ ان احد هذه المعالم قد تعرض لتعديل: صيانة وما شابه, ويتألم تبعا لذلك, ولكنه يواصل المشي/حزينا/الى ان يتنفس الصعداء قرب النهر.

* الخلاصة انه قابل ذات يوم/على ضفة النهر/امرأة وحيدة ايضا. تعارفا, وقالت له منذ البداية انها تنتظر حبيبا سوف يأتي ذات يوم, وانها تقبل صداقة الرجل الوحيد شريطة ان تنتهي هذه الصداقة فور مجيء الحبيب: اتفقا على ذلك.

* واظبا على اللقيا الى ان جاء الحبيب المنتظر في نهاية المطاف, وذهبت المرأة معه حسب الاتفاق, فيما ظل صاحبنا وحيدا: هل اغتاظ? جدا, ثم عاد الى غرفته حزينا - عبر الشارع الذي لم يعد مألوفا: صار غريبا دفعة واحدة - "شارع الغاردنز" لم يعد كذلك, والقرميد الذي تحمله "سوزان" على ظهرها صار اسفلتا, وهنالك منافقون يعبرون "شارع مكة", و"مكدونالدز" في شارع "الاستقلال", ومرضى يتسكعون في "شارع المدينة الطبية", وغرباء عبروا "شارع الاردن".

* عاد الرجل الوحيد الى غرفته/الزنزانة/ واجهش في البكاء.0

__________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق