الاثنين، 14 يناير 2013

عهد الدايات ( 1671- 1830

عهد الدايات ( 1671- 1830 )

كان عصر الدايات مليئا بالمؤامرات والثورات. ولم تكن مدة حكمهم تستمر طويلا، باستثناء الداي محمد بن عثمان (1766-1791)، وفي فترة حكم هذا الداي عرفت الجزائر هدوءا نسبيا، وتغلبت على العجز الذي كانت تعاني منه في الميزانية بسبب التقشف وحسن التصرف، والسعي نحو تحقيق الازدهار. كما عرف الغرب الجزائري هو الآخر حركة نشيطة، حيث تم تحرير المرسى الكبير ومدينة وهران من الاحتلال الاسباني الذي لبث فيها ما يربو عن قرنين، ونظرا للحنكة السياسية التي كان يتمتع بها كل من محمد بن عثمان باشا والباشا محمد الكبير وصالح باي قسنطينة، فقد تمكنوا من إدارة البلاد داخليا وخارجيا، إلا أن حكومة الأوجاق بدأت منذ مطلع القرن الثامن تسير نحو الانهيار الكلي، لا سيما في الوقت الذي تتوقف فيه المنافسات الأوروبية بين بعضها البعض.

أ– الوضع الداخلي:
لا شك في أن بقاء الداي في منصب الرياسة لمدة طويلة أعطى للداي سلطة واسعة حدت من سلطة الديوان، وقد أبقى الداي على منصب الباشوية الشرفي لمدة، ليصبح في مراحل تالية هو نفسه الباشا، وبذلك استأثروا بكل مظاهر السلطة والنفوذ، واستطاعوا أن يحققوا للجزائر استقلالها الحقيقي عن الدولة العثمانية التي لم يكن لها يد في هذا الانقلاب، ولم تستطع مواجهته ولم يكن للسلطان نفوذ سوى الموافقة على تسمية الدايات الذي يعينهم الديوان.
ولكن تعيين الباشا أصبح مشكلة للداي، لأن السلطان كان بواسطته يحاول استعادة ما فقد من نفوذ، وبدأ يشعر الدايات بوجود مضايقة وازدواجية في الحكم فسعوا للقضاء عليه فأدمج منصب الباشوية مع منصب الداي، وأكثر من ذلك قاوم الدايات حتى وساطة الباب العالي في المشاكل الداخلية والخارجية للجزائر، ولم يعد للسلطان أي نفوذ في الجزائر، وأصبحت تبعية الجزائر للخلافة العثمانية تبعية اسمية، وبالرغم من ذلك تميزت الأوضاع الداخلية بالقلائل والاضطرابات المستمرة، والتناحر على الحكم والاستبداد، والاغتيالات ونشوب الفتن الأهلية والتمرد والعصيان من طرف الأهالي بسبب السياسة التي انتهجها الدايات بإرهاق الأهالي بالضرائب والإتاوات، وكان التمرد والعصيان يواجه بالقوة وسفك الدماء. وفي مراحل تالية كثرت التمردات والثورات (القبائل- كراغلة تلمسان-القبائل الكبرى- سكان البليدة- الحضنة- واحات الجنوب- الاوراس). وظهرت حوادث بقسنطينة أدت إلى مقتل صالح باي عام 1792. وبعد ذلك ظهرت ثورة بن الاحرش وبعد سلسلة من الملاحقات تمكن الباي من وضع حد لابن الاحرش الذي التحق بمجموع درقاوة بالغرب الجزائري التي أعلنت الثورة على الأتراك بزعامة ابن الشريف عبد القادر الدرقاوي ليخوض معه عدة معارك مهمة، كما ثار التيجانيون بعين ماضي ضد الحكم التركي.
وكان أبرز دوافع هذه الثورات هو ما ناله الفقراء والمساكين وسائر الرعية من تعسف الأتراك وظلمهم واستخدامهم لأسلوبي القتل والطرد، إضافة إلى معاداة شيوخ الزوايا للحكم؛ الأمر الذي دفع ببعضهم إلى الانضمام ثورة ابن الأحرش(مقدم الطريقة الرحمانية، الدرقاوية)، وأصبحت الطريقة الدرقاوية القوة الرئيسية المعادية للأتراك التي قامت بتجنيد الفلاحين ضد سلطة البايلك عام 1780. واقتنع سكان الأرياف بإمكانية الثورة على سلطة الأتراك ورفض دفع الضرائب. كما ظهرت حركات تمرد أخرى بالجهات الشمالية .

وقد انتشرت هذه الحركات التمردية لتشمل أوساط القبائل الجبلية والجهات الشرقية والوسطى من البلاد، وكان من نتائجها حصول اضطرابات في الأوضاع الاقتصادية، حيث أهملت الفلاحة وحدثت مجاعات من جراء كثرة الفتن والأهوال واهتزاز المجتمع . كما أغلقت الأسواق خوفا من قطاع الطرق. إضافة إلى ظاهرة الجفاف وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وانتشار الأوبئة، وانتشار الزلازل التي هلكت الكثير من الأرواح والممتلكات. فكان الوضع مأساويا حقا كما نشأت طبقة من الدخلاء غالبيتها كان من اليهود الذين لعبوا دورا كبيرا في وقوع الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي، بسيطرة بوخريص وبوشناق على التجارة الخارجية لتتأزم العلاقات مع فرنسا . ولتكون الجالية اليهودية أموال ضخمة على حساب الجزائر وتوجه الاحداث لصالحها. وبات نفوذها على البلاد والأتراك واضحا، واصبح الحكام ألعوبة في أيديهم. هذا إضافة إلى الخطر الذي كانت تشكله الدولة الصليبية على الإسلام والجزائر والخلافة العثمانية.
ب- السياسة الخارجية:
- على المستوى المغاربي: كانت السياسة المغاربية متوترة . فكانت الجزائر تعتبر تونس إقليما تابعا لها وكانت تونس ترفض ذلك. وكانت لتونس أطماع في قسنطينة. وكان المغرب ينظر للجزائر كخطر يهدده ويجب تفاديه حتى وان اقتضى الأمر التحالف مع الغرب، وكان للمغرب أطماع قديمة في تلمسان . وقد ظهرت مؤامرات كثيرة بين البلدان المغاربية من أبرزها زحف تونس والمغرب والأقصى وطرابلس متحالفين من تونس إلى قسنطينة عام 1702. وزحف المغرب على تلمسان، وهكذا ظلت الحوادث مستمرة إلى أن بدأت التحالفات الأوروبية تتهيأ لاقتسام ممتلكات ما يسمى بالرجل المريض.
-على المستوى الأوروبي: كانت الجزائر لا سيما في عهد البايلربايات تتمتع بمكانة مرموقة، يحسب لها ألف حساب من الدول الأوروبية، إذ كانت تقدم لها الهدايا وتدفع لها الضرائب. أما الأسبان فقد استمر في حملاته الصليبية على الجزائر منها: حملة 1770 بالحراش، حملة أوريللي 1775، حملة 1784، وكلها منيت بشر الهزيمة ، وظل الأسبان في مدينة الأسبان يعيثون فيها فسادا وتخريبا.

هناك 7 تعليقات: