صلح الحُديبية 1
مقدّمة
قرّر رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يسير بأصحابه من المدينة
المنوّرة إلى مكّة لزيارة بيت الله الحرام، بعد أن رأى في منامه أنّه يدخله هو
وأصحابه آمنين من غير قتال.
كما روت ذلك الآية الشريفة: (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا
بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ
مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ
تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)(1).
صلح الحديبية هو صلح عقد في شهر شوال من العام السادس للهجرة
(مارس 628 م) بين المسلمين وبين قريش بمقتضاه عقدت هدنة بين الطرفين مدتها عشر
سنوات.
الأسباب
في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة، أعلن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه يريد المسير إلى مكة لأداء العمرة، وأذّن في أصحابه بالرحيل إليها لأدائها
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بألف وأربع مئة من المهاجرين والأنصار، وكان
معهم سلاح السفر لأنهم يرغبون في السلام ولا يريدون قتال مع المشركين، ولبسوا ملابس
الإحرام ليؤكدوا لقريش أنهم يريدون العمرة ولا يقصدون الحرب، وما حملوا من سيوف
إنما كان للحماية مما قد يعترضهم في الطريق. وعندما وصلوا إلى (ذى الحليفة) أحرموا
بالعمرة. فلما اقتربوا من مكة بلغهم أن قريشاً جمعت الجموع لمقاتلتهم وصدهم عن
البيت الحرام.
فلما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية أرسل عثمان بن عفان إلى
قريش وقال له: أخبرهم أنّا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عماراً، وإدعهم إلى الإسلام،
وأَمَرَه أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، وأن الله عز
وجل مُظهر دينه بمكة. فانطلق عثمان، فأتى قريشاً، فقالوا: إلى أين ؟ فقال: بعثني
رسول الله أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، ويخبركم: أنه لم يأت لقتال، وإنما جئنا
عماراً. قالوا: قد سمعنا ما تقول، فانفذ إلى حاجتك.
ولكن عثمان احتبسته قريش فتأخر في الرجوع إلى المسلمين، فخاف الرسول
عليه، وخاصة بعد أن شاع أنه قد قتل، فدعا إلى البيعه، فتبادروا إليه، وهو تحت
الشجرة، فبايعوه على أن لا يفروا، وهذه هي بيعة الرضوان.
وأرسلت قريش عروة بن مسعود الثقفي إلى المسلمين فرجع إلى أصحابه، فقال:
أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك كسرى وقيصر والنجاشي والله ما رأيت ملكاً يعظمه
أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً. والله ما انتخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم،
فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه،
وإذا تكلم خفضوا أصواتهم، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، ثم قال: وقد عرض عليكم
خطة رشد فاقبلوها.
ثم أسرعت قريش في إرسال سهيل بن عمرو لعقد الصلح، فلما رآه النبي قال:
قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فتكلم سهيل طويلاً ثم
اتفقا على قواعد الصلح.
شروط الصّلح
فلما اتفقا دعى علي بن أبي طالب فقال: اكتب: بسم الله الرحمن
الرحيم
فقال سهيل: أما الرحمن، فما أدري ما هو؟ ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب.
فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم
فقال : اكتب: باسمك اللهم
ثم قال: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله
فقال سهيل: والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتب محمد بن عبد الله
فقال: إني رسول الله، وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله
فقال سهيل: أما الرحمن، فما أدري ما هو؟ ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب.
فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم
فقال : اكتب: باسمك اللهم
ثم قال: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله
فقال سهيل: والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتب محمد بن عبد الله
فقال: إني رسول الله، وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله
ثم تمت كتابة الصحيفة على الشروط التالية:
- وأن من أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه, ومن أراد أن يدخل في عهد محمد من غير قريش دخل فيه.
- و يمنعو الحرب لمدة 10 سنين
- أن يعود المسلمون ذلك العام على أن يدخلوا مكة معتمرين في العام المقبل.
- عدم الاعتداءعلى أي قبيلة أو على بعض مهما كانت الأسباب.
- أن يرد المسلمون من يأتيهم من قريش مسلما بدون إذن وليه, وألا ترد قريش من يعود إليها من المسلمين.
ودخلت قبيلة خزاعة في عهد رسول الله ، ودخل بنو بكر في عهد قريش.
فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
قوموا فانحروا، ثم احلقوا، وما قام منهم رجل، حتى قالها ثلاث مرات. فلما لم يقم
منهم أحد، قام ولم يكلم أحداً منهم حتى نحر بدنه ودعا حالقه. فلما رأوا ذلك قاموا
فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غما.
الخروج من المدينة
توجّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) نحو مكّة ومعه ما يقرب من ألف
وأربعمائة من المهاجرين والأنصار، وذلك في الأوّل من ذي القعدة من السنة السادسة
للهجرة، وقد ساقوا معهم سبعين بَدَنة هدياً لتُنحر في مكّة.
فلمّا تناهى الخبر إلى قريش فزعت، وظنّت أنّ رسول الله(صلى الله عليه
وآله) يريد الهجوم عليها، فراحت تتدارس الموقف، وتعدُّ نفسها لصدِّه عن البيت
الحرام.
ولمّا بلغ الرسول(صلى الله عليه وآله) أخبار إعداد قريش، والتهيّؤ
لقتاله، غيّر مسيره وسلك(صلى الله عليه وآله) طريقاً غير الطريق الذي سلكته قُوّات
قريش المتوجّهة لقتاله.
منطقة الحُديبية
في طريقه(صلى الله عليه وآله) إلى مكّة استقرّ وأصحابه في وادي
الحُديبية، وهي قرية سُمّيت ببئر هناك، وبينها وبين مكّة مرحلة، وبينها وبين
المدينة تسع مراحل.
البيعة تحت الشجرة
قال ابن عباس: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) خرج يريد مكّة، فلمّا
بلغ الحُديبية وقفت ناقته، وزجرها فلم تنزجر، وبركت الناقة، فقال أصحابه: خلأت
الناقة، فقال(صلى الله عليه وآله): «ما هذا لها عادة، ولكن حبسها حابس الفيل».
ودعا عمر بن الخطّاب ليرسله إلى أهل مكّة، ليأذنوا له بأن يدخل مكّة،
ويحل من عمرته وينحر هديه، فقال: يا رسول الله، ما لي بها حميم، وإنّي أخاف قريشاً
لشدّة عداوتي إيّاها، ولكن أدلّك على رجل هو أعزّ بها منّي عثمان بن عفّان.
فقال: صدقت، فدعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) عثمان، فأرسله إلى أبي
سفيان وأشراف قريش؛ يخبرهم أنّه لم يأت لحرب، وإنّما جاء زائراً لهذا البيت معظّماً
لحرمته، فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله(صلى الله عليه وآله) والمسلمين أنّ
عثمان قد قُتل.
فقال(صلى الله عليه وآله): «لا نبرح حتّى نناجز القوم»، ودعا الناس إلى
البيعة، فقام رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى الشجرة فاستند إليها، وبايع الناس
على أن يقاتلوا المشركين ولا يفرّوا(2).
فأنزل الله تعالى عند ذلك قوله: (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي
قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا
قَرِيباً)(3)، ومن هنا سُمّيت هذه البيعة ببيعة الرضوان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق